دخلت عليها هذه الليلة ….بعد زواجنا بشهر واحد وليلتين اثنتين ..فوجدتها …….!!!!!!
قلت له : هدئ من روعك ..كيف اخترتها ؟؟
وهل كنت تعرف دينها قبل زواجك بها ؟؟؟؟؟
قال لي : لم أكن أعرف عنها شيئا ..إلا أن إخواني كانوا يزكونها .. وهي من مدينة بعيدة عنا ..
وسبحان الله .. اسمها ( عائشة ) !!! لقد شدني اسمها حين ذكر لي ..
ولما ذهبت إلى خطبتها كنا في العشر الأواخر من رمضان ..استخرت الله تعالى ..طرقت البيت ..خرج أخوها الذي كان على موعد معي ..
رحب بي .. ودخلت ..كان الوقت قبل المغرب بقليل ..لاحظت أن والدها ليس موجودا ..قالوا لي إنه معتكف في المسجد ..
فرحت ..سبحان الله !!! شيء طيب ..
صلينا معه العشاء ثم التراويح ..ثم قدمني أخوها له : هذا ( فلان ) الذي جاء يتقدم لـ ( عائشة ) ..
رحب بي والدها ..أردت أن أدخل في تفاصيل الموضوع فاجأني والدها بقوله : لا يمكنني الآن الدخول في أي تفاصيل ..
ذُهلت (!!!) ..استغربت (!!!) ..لماذا ؟؟؟ ..قال لي : لأن الوقت لا يسمح ..كيف ؟؟؟!! ..أنا معتكف ، وهذه الليالي لا تحتمل إلا الذكر والعبادة وقراءة القرآن ..قلت له : إذن .. أراها..قال : هذا حقك ..هذه سنة ..واستسمحني ألا أضيع دقيقة واحدة أخرى من وقته .. وابتسم لي ..ثم قام إلى ناحية ..رجعت إلى منزلهم مرة أخرى ..في الطريق سألت أخاها باستحياء : أأأأهل الأخت عائشة تحفظ كثيرا من القرآن ؟؟؟ ..
قال لي باهتمام : ليس المهم في الحفظ ..المهم في تطبيق الإسلام ..لم أدر هل أفرح أم أزداد حيرة ..
- يا عائشة ..أقبلت إلى الحجرة ..لم تغض بصرها ..ولكني تظاهرت بغض البصر ..
بادرني أخوها : ليس هذا الموقف موقف غض بصر ..
لا أدري مرة أخرى : هل أفرح أم أستغرب ؟؟؟!!!
علامات الاستفهام والتعجب لم تشغلني عن النظر إليها بعمق .بصراحة جميلة ..سألتها : كم تحفظين يا أخت من القرآن ؟؟
- جزء عم ..- ثم استأذنت وقامت ..- قلت لأخيها بغيظ مكتوم : لماذا لم تجلس معنا ؟؟
- ليس لك في الشرع إلا الرؤية ..- ولم يمهلني للتفكير ، ولكن ابتدرني : إذا كان حدث القبول فلا تضيع وقتا ..
متى سيكون البناء بإذن الله ؟؟؟- قلت : البناء !!!- قال لي : يعني الدخول ..- قلت : عارف ..البناء مرة واحدة .. “أبتسم”.
- ضحك والله يا أخي وقال لي : وفيه بناء يكون على مرتين ؟؟؟ وما المانع من السرعة في الأمر ؟؟
- ولكنا ..لم نتفق على شيء .. ولم أحضر أهلي وناسي ..ولم نأخذ فترة كافية للتعارف ..
- قال وهو يهز رأسه : يا سيدي نتفق ..وهات أهلك وناسك ..وما معنى فترة كافية ..هل جئت إلى هنا بدون تأكد منا ؟؟
ثم أردف قائلا : نحن لا نريد منك أي مجهود في تجهيز البيت ، فالاقتصاد هو المطلوب .. أما المهر فأنت تعلم : أقلهن مهرا أكثرهن بركة .. ويكفي إحضار أهلك مرة واحدة ، ثم في المرة التالية يتم الزفاف .. حتى نختصر عليك التكاليف ..
ما هذا ؟؟!! ..حككت رأسي بخنصري ..أشياء غريبة ..لم يطل تفكيري ..
قطعه صوت أخيها وهو يقول : هيا ننام لكي نقوم قبل الفجر بساعة لنصلي التهجد ..قلت له مبتسما لا أعرف لبسمتي سببا : أليس عندكم جهاز تلفاز ؟؟
قال لي ممازحا : اخفض صوتك حتى لا تسمعك العروس ..
الصورة صورة التزام كامل .. ولكن لماذا لم يتكلم في التفاصيل ؟؟؟ ..
لماذا يستعجل الأمر ؟؟ ..
دخلت عليها ليلة الزفاف .. بعد سفر مرهق لنا معا ..سلمت عليها .. كانت ساحرة ..كانت سارة رغم آثار السفر ..
وضعت يدي على ناصيتها : ” اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فطرت عليه .. “
( سمعتها تقول : جبلت .. كأنها تصحح لي ) .. استدركت الخطأ ..!!!! وأكملت الدعاء النبوي حتى أصيب السنة ..
وأعدت يدي إلى جنبي .كان أول كلامي لها بعد الدعاء هو السؤال المُلح ..ابتدرتها :كم تحفظين من القرآن ؟
- كله والحمد لله ..
قلت لها بثورة مكتومة وكأني أعاتبها بصوت مبحوح : ألم تقولي لي إنك تحفظين جزء عم ؟
قالت : قلت لك ذلك تعريضا ولم أكذب ..ذاك اليوم كان موقف خطوبة فلم أرغب في أن أجمل نفسي أمامك ..
أردفت وهي تأخذ بيدي باسمتاً : ليست الليلة ليلة عتاب ..هيا .. ( وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ )
ومر شهرٌ كاملٌ .. ننام ليلنا بعد صلاة العشاء أو نسمر قليلا بعدها ..ننام حتى قرب أذان الفجر ، فلا يكون بيننا وبين الفجر إلا الوضوء ..
لم يكن من دأبها طوال هذه الفترة قيام ليل أو صيام نهار ..ولا زيادة في صلوات التطوع ..
كان كل حرصها محصورا في التزين والتجمل والتعطر والدلال ..لم توقظني مرة لقيام الليل ..
لم تقترح علي مرة واحدة أن نزور والدي أو تنصحني بزيارة أخواتي أو أقاربي ..ليس لها هم طوال الشهر هذا إلا الكحل والعطر والضحك واللعب ..
حتى جاءت الليلة الموعودة ..كنت قد أنهيت شهر الإجازة التي حصلت عليها من العمل ..
واضطررت للرجوع ..ففوجئت بمهمة تنتظرني تحتاج لسفر لمدة يومين ….وكان لابد من الخضوع ..
أخبرتها بسفري ..ولكي أحتاط لنفسي وحتى لا تقلق في حالة تأخري لظرف طارئ ، قلت لها لعلي أتأخر في سفري ثلاثة أيام ..
الا أن المهمة انجزت في وقتها ولم أحتج إلى الى تأخير ..
رجعت من السفر بالليل بعد العشاء بحوالي ساعة إلى المنزل ..
طرقت الباب برقة فلم يرد أحد ..قلت في نفسي : لعلها نائمة ..كرهت أن أوقظها ..
وضعت المفتاح في الباب برفق ….أدرته في الثقب بحذر شديد ..فتحت ..دخلت ..
سميت الله وألقيت السلام هامسا لا يسمعني أحد ..أغلقت الباب بهدوء ..ثم اتجهت من فوري إلى حجرة النوم ..
وأنا في طريقي سمعت من داخل الحجرة شهقات صوتها وهي تشهق وكأنها تزفر أنفاسها الأخيرة …….
شهقات مكتومة ، وصوتٌ مُتحشرج ، تقطعه آنات بكاء ونحيب
. ماذا يحدث ؟؟؟!!! ..اقتربت إلى الباب ..
باب الحجرة لم يكن محكم الغلق ..أدرت المزلاج ..
ودخلت ..تسمرت ..
ما إن أطللت حتى رأيت ما لم أكن أتوقع ….هذا المشهد لم يجل بخاطري ….
عائشة ..زوجتي ….ساجدة إلى القبلة ..تتودد لله تعالى ..تبكي بين يديه ..تبكي وتشهق ….تدعوا وتتحرق ..ترجوا وتتشوق ..
الباب في قبلتها …وقع بصرها علي ….انتبهت لوجودي …………!
سجدت سجدة فلم تطل السجود ..وجلست ثم سلمت ….
أقبلت إلي مرحبة ….
كُنتُ قد انخرطت في البكاء …. وكم استصغرتُ شأني أمام هذه البكاءة الساجدة لربها
اقتربت مني ..وضعت يدها الحانية على صدري ..
جلسنا ..
أحسست أني ولدت من جديد ….استسلمت للسباحة في بحر الذكريات ….
شريط الذكريات ..
منذ ذهبت إلى بيتها لأطلب يدها ….
هذه ثمرة من ثمار التربية على التقوى والالتزام الصادق ….
هذه ثمرة أب يتبتل إلى الله عالى في أيام الاعتكاف ..
حتى لا يجد وقتا يتكلم فيه في أمر زواج بنته ….
وأم تأبى أن تخوض مع ضيفاتها في حديث لا فائدة منه ولا طائل من ورائه ….
وأخ لا يهتم بسفاسف الأمور ولا يستفيض فيها ..ويتودد إلى صهره بكل وسائل التودد ..
وأخت تراجع معها كل ليلة متشابهات القرآن ..
أيقظني صوتها الحاني :
* أين ذهبت ؟؟- ذهبت فيك ..وذهبت إليك ..ولكني أبدا ما ذهبت عنك ….
هذا السلوك الذي رأيته الليلة لم أره من قبل طوال هذا الشهر ..
حتى طافت بي الظنون ..
* أي سلوك .. ؟
- قيامك بالليل ..
وبكاؤك لله ..و….
قاطعتني : زوجي الحبيب ..
وهل كنت تنتظر مني أن أقوم الليل في أول شهر لزواجنا ؟؟
إن غاية قربي إلى الله في هذه الفترة الماضية هو أن أتودد لك وأتقرب منك ..وأتجمل بين يديك ..حتى لا ترى مني موضعا إلا أحببتني به ….
وهذا هو أفضل ما تتقرب الزوجة به لربها في أول زواجها..
- لكن ………
لَكِنَكِ لم تأمريني بصلة رحم ولا زيارة أهل طول الفترة الماضية ….
إبتسمت ..
- كيف أوجهك لشيء من هذا والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ؟؟؟
ما يدريني أن يزين لك أنني أريد أن تبتعد عني لحظة من الزمان ؟؟ لكنك حينما كنت تزور أهلك وتبرهم كنت أنا سعيدة من داخلي بصنيعك ..لكن دون أن أظهر لك ..
فلما سافرتَ علمت أنا أن الحياة الطبيعية قد بدأت فرجعت لما كنت فيه قبل الزواج ..
ومن الآن .. استعد للإستيقاظ بالليل ..
” ضاحكة بحنان ” وإلللللا ..
وإلا… صببت على وجهك الحلو ده كوب الماء ….
تنَفَسَت بعمق ….
ثم واصَلت ..
* لكن ..
لي عليك عتاب ..
قلت بلهفة : ما هو ؟؟
قالت : حينما تسافر بعد ذلك وترجع بالسلامة ….
حاول تقدم علينا بالنهار وليس بالليل ..
- ولماذا ؟؟
قالت : هذا هو الأدب النبوي الكريم للمسافر ..
أليس النبي يقول : “إذا رجع أحدكم من سفره فلا يطرق أهله ليلا حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة “
تفرستها ….
قلت وقد أذهلني الحديث :
- الشعثة ؟؟ والمغيبة ؟؟
- نعم ..
الشعثة والمغيبة هي التي لم تهتم بجمالها في وقت سفر زوجها ..
وهذا هو المفترض في الزوجة الصالحة الأمينة ..
هي تتزين لزوجها ..
فإذا سافر تركت التزين كله لعدم وجود الداعي له ..
فإذا رجع نهارا كان عندها الوقت لذلك ….
تنفست الصعداء ..
أنت أبهى الآن في عيني من كل جميل … ” قلتها في نفسي “
أدركت أنني أملك أعظم كنوز الأرض قاطبة ..
نعم ..
هي خير متاع الدنيا ..
هذه هي ثمار أسرة آثرت الالتزام مهما كان غريبا على الناس ….
قال لي صاحبي “ذلك الرجل الوقور” :
ومن يومئذ ..
منذ عشرين عاما ..
وأنا في سعادة تامة وههناءة عامة ..
وخير وافر وبر زاخر ..
وذرية طيبة أحسنت أمهم تربيتهم على الطاعة واالإخلاص ..و..
قاطعته :
( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا )
0 التعليقات:
إرسال تعليق